يَا ابْنَ الرُّوحِ
فِي أَوَّلِ القَوْلِ امْلِكْ قَلْباً جَيِّداً حَسَناً مُنيراً لِتَمْلِكَ مُلْكاً دائِماً باقِياً أَزَلاً قَدِيماً.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
أَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِي الإنْصافُ. لا تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ إِلَيَّ راغِباً وَلا تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِيناً وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذلِكَ أَنْ تُشَاهِدَ الأَشْياءَ بِعَيْنِكَ لا بِعَيْنِ العِبادِ وَتَعْرِفَها بِمَعْرِفَتِكَ لا بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي البِلادِ. فَكِّرْ فِي ذلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. ذلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنايَتي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمامَ عَيْنَيْكَ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
كُنْتُ فِي قِدَمِ ذاتِي وَأَزَلِيَّةِ كَيْنُونَتِي؛ عَرَفْتُ حُبّي فِيكَ خَلَقْتُكَ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مِثالِي وَأَظْهَرْتُ لَكَ جَمَالي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
أَحْبَبْتُ خَلْقَكَ فَخَلَقْتُكَ، فَأَحْبِبْني كَيْ أَذْكُرَكَ، وَفِي رُوحِ الْحَياةِ أُثَبِّتُكَ.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
أَحْبِبْني لأُِحِبَّكَ. إِنْ لَمْ تُحِبَّنِي لَنْ أُحِبَّكَ أَبَداً فَاعْرِف يا عَبْدُ.
يَا ابْنَ الوُجودِ
رِضْوانُكَ حُبِّي وَجَنَّتُكَ وَصْلي فَادْخُلْ فِيها وَلا تَصْبِرْ. هذَا ما قُدِّرَ لَكَ فِي مَلَكُوتِنا الأَعْلَى وَجَبَرُوتِنَا الأَسْنى.
يَا ابْنَ البَشَرِ
إِنْ تُحِبَّ نَفْسي فَأَعْرِضْ عَنْ نَفْسِكَ، وَإِنْ تُرِدْ رِضائِي فَأَغْمِضْ عَنْ رِضائِكَ، لِتَكُونَ فِيَّ فانِياً وَأَكُونَ فِيْكَ باقِياً.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
ما قُدِّرَ لَكَ الرَّاحَةُ إِلاَّ بِإِعْراضِكَ عَنْ نَفْسِكَ وَإِقْبالِكَ بِنَفْسي، لأَِنَّهُ يَنْبَغي أَنْ يَكُونَ افْتِخارُكَ بِاسْمِي لا بِاسْمِكَ، وَاتِّكالُكَ عَلى وَجْهِي لا عَلى وَجْهِكَ لأَِنِّي وَحْدي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَحْبوباً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
حُبِّي حِصْني مَنْ دَخَلَ فِيهِ نَجا وَأَمِنَ وَمَنْ أَعْرَضَ غَوَى وَهَلَكَ.
يَا ابْنَ الْبَيَانِ
حِصْنِي أَنْتَ فَادْخُلْ فِيهِ لِتَكُونَ سالِماً. حُبّي فِيْكَ فَاعْرِفْهُ مِنْكَ لِتَجِدَني قَريباً.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
مِشْكاتِي أَنْتَ وَمِصْباحِي فِيْكَ؛ فَاسْتَنِرْ بِهِ وَلا تَفْحَصْ عَنْ غَيْري، لأَِنِّي خَلَقْتُكَ غَنِيَّاً وَجَعَلْتُ النِّعْمَةَ عَلَيْكَ بالِغَةً.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
صَنَعْتُكَ بِأَيادِي الْقُوَّةِ وَخَلَقْتُكَ بِأَنامِلِ الْقُدْرَةِ، وَأَوْدَعْتُ فِيْكَ جَوْهَرَ نُوري فَاسْتَغْنِ بِهِ عَنْ كُلِّ شَيءٍ، لأَِنَّ صُنْعي كامِلٌ وَحُكْمي نافِذٌ لا تَشُكَّ فِيهِ وَلا تَكُنْ فِيهِ مُرِيباً.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
خَلَقْتُكَ غَنِيّاً كَيْفَ تَفْتَقِرُ، وَصَنَعْتُكَ عَزِيزاً بِمَ تَسْتَذِلُّ، وَمِنْ جَوْهَرِ العِلْمِ أَظْهَرْتُكَ لِمَ تَسْتَعْلِمُ عَنْ دُونِي، وَمِنْ طينِ الْحُبِّ عَجَنْتُكَ كَيْفَ تَشْتَغِلُ بِغَيْري؛ فَأَرْجِعِ الْبَصَرَ إِلَيْكَ لِتَجِدَني فِيكَ قائِماً قادِراً مُقْتَدِراً قَيُّوماً.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
أَنْتَ مُلْكِي وَمُلْكِي لا يَفْنى. كَيْفَ تَخافُ مِنْ فَنائِكَ، وَأَنْتَ نُوري وَنُوري لا يُطْفى. كَيْفَ تَضْطَرِبُ مِنْ إِطْفائِكَ، وَأَنْتَ بَهائِي وَبَهائِي لا يُغْشى، وَأَنْتَ قَمِيصي وَقَميصِي لا يَبْلَى. فَاسْتَرِح فِي حُبِّكَ إِيّايَ لِكَيْ تَجِدَنِي فِي الأُفُقِ الأَعْلى.
يَا ابْنَ البَيان
وَجِّهْ بِوَجْهِي وَأَعْرِضْ عَنْ غَيْرِي، لأَِنَّ سُلْطانِي باقٍ لا يَزُولُ أَبَداً وَمُلكِي دائِمٌ لا يَحُولُ أَبَداً. وَإِنْ تَطْلُبْ سِوائِي لَنْ تَجِدَ لَوْ تَفْحَصُ فِي الوُجُودِ سَرْمَداً أَزَلاً.
يَا ابْنَ النُّورِ
انْسَ دُونِي وَآنِسْ بِرُوحِي، هذا مِنْ جَوْهَرِ أَمْري فَأَقْبِلْ إِلَيْهِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
اكْفِ بِنَفْسِي عَنْ دُونِي وَلا تَطْلُبْ مُعِيناً سِوائِي، لأَِنَّ ما دُونِي لَنْ يَكْفِيَكَ أَبَداً.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
لا تَطْلُبْ مِنِّي ما لا نُحِبُّهُ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ ارْضَ بِما قَضَيْنَا لِوَجْهِكَ، لأَِنَّ ما يَنْفَعُكَ هذا إِنْ تَكُنْ بِهِ راضِياً.
يَا ابْنَ المَنْظَرِ الأَعْلى
أَوْدَعْتُ فِيكَ رُوحاً مِنِّي لِتَكُونَ حَبِيباً لِي؛ لِمَ تَرَكْتَنِي وَطَلَبْتَ مَحْبُوباً سِوائِي.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
حَقِّي عَلَيْكَ كَبِيرٌ لا يُنْسَى، وَفَضْلِي بِكَ عَظيمٌ لا يُغْشى، وَحُبِّي فِيكَ مَوْجُودٌ لا يُغَطَّى، وَنُوري لَكَ مَشْهُودٌ لا يَخْفى.
يَا ابْنَ البَشَرِ
قَدَّرْتُ لَكَ مِنَ الشَّجَرِ الأَبْهى الْفَواكِهَ الأَصْفى، كَيْفَ أَعْرَضْتَ عَنْهُ وَرَضِيتَ بِالَّذي هُوَ أَدْنى، فارْجِعْ إِلى ما هُوَ خَيْرٌ لَكَ فِي الأُفُقِ الأَعْلَى.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
خَلَقْتُكَ عَالِياً، جَعَلْتَ نَفْسَكَ دانِيَةً؛ فَاصْعَدْ إِلى ما خُلِقْتَ لَهُ.
يَا ابْنَ العَماءِ
أَدْعُوكَ إِلى الْبَقَاءِ وَأَنْتَ تَبْتَغِي الْفَنَاءَ، بِمَ أَعْرَضْتَ عَمَّا نُحِبُّ وَأَقْبَلْتَ إِلى ما تُحِبُّ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
لا تَتَعَدَّ عَنْ حَدِّكَ وَلا تَدَّعِ ما لا يَنْبَغِي لِنَفْسِكَ، اسْجُدْ لِطَلْعَةِ رَبِّكَ ذِي الْقُدْرَةِ وَالاقْتِدارِ.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
لا تَفْتَخِرْ عَلَى الْمِسْكِينِ بِافْتِخارِ نَفْسِكَ، لأَِنِّي أَمْشي قُدّامَهُ وَأَراكَ فِي سُوءِ حالِكَ وَأَلْعَنُ عَلَيْكَ إِلَى الأَبَدِ.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
كَيْفَ نَسِيتَ عُيوبَ نَفْسِكَ وَاشْتَغَلْتَ بِعُيُوبِ عِبادِي. مَنْ كانَ عَلى ذلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةٌ مِنِّي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
لا تَنَفَّسْ بِخَطَأِ أَحَدٍ ما دُمْتَ خاطِئاً، وَإِنْ تَفْعَلْ بِغَيْرِ ذلِكَ مَلْعُونٌ أَنْتَ، وَأَنَا شاهِدٌ بِذلِكَ.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
أَيْقِنْ بِأَنَّ الَّذي يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْعَدْلِ وَيَرْتَكِبُ الْفَحْشَاءَ فِي نَفْسِهِ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنِّي وَلَوْ كانَ عَلى اسْمِي.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
لا تَنْسِبْ إِلى نَفْسٍ ما لا تُحِبُّهُ لِنَفْسِكَ، وَلا تَقُلْ ما لا تَفْعَل. هذا أَمْرِي عَلَيْكَ فَاعْمَلْ بِهِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
لا تَحْرِمْ وَجْهَ عَبْدِي إِذا سَأَلَكَ فِي شَيْءٍ؛ لأَِنَّ وَجْهَهُ وَجْهِي فَاخْجَلْ مِنِّي.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
حاسِبْ نَفْسَكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبَ، لأَِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِيكَ بَغْتَةً وَتَقُومُ عَلَى الْحِسابِ فِي نَفْسِكَ.
يَا ابْنَ العَماءِ
جَعَلْتُ لَكَ الْمَوْتَ بِشَارَةً، كَيْفَ تَحْزَنُ مِنْهُ. وَجَعَلْتُ النُّورَ لَكَ ضِياءً، كَيْفَ تَحْتَجِبُ عَنْهُ.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
بِبِشارَةِ النُّورِ أُبَشِّرُكَ فَاسْتَبْشِرْ بِهِ، وَإِلى مَقَرِّ القُدْسِ أَدْعُوكَ تَحَصَّنْ فِيهِ، لِتَسْتَريحَ إِلى أَبَدِ الأَبَدِ.
يَا ابْنَ الرُّوحِ
رُوحُ القُدْسِ يُبَشِّرُكَ بِالأُنْسِ، كَيْفَ تَحْزَنُ. وَرُوحُ الأَمْرِ يُؤَيِّدُكَ عَلَى الأَمْرِ، كَيْفَ تَحْتَجِبُ. وَنُورُ الوَجْهِ يَمْشِي قُدَّامَكَ، كَيْفَ تَضِلُّ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
لا تَحْزَنْ إِلاّ فِي بُعْدِكَ عَنَّا، وَلا تَفْرَحْ إِلاّ فِي قُرْبِكَ بِنا وَالرُّجُوعِ إِلَيْنا.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
افْرَحْ بِسُرُورِ قَلْبِكَ، لِتَكُونَ قابِلاً لِلِقائِي وَمِرآةً لِجَمالِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
لا تُعَرِّ نَفْسَكَ عَنْ جَميلِ رِدائِي وَلا تَحْرِمْ نَصِيبَكَ مِنْ بَديعِ حِياضِي؛ لِئَلاَّ يَأْخُذَكَ الظَّمَأُ فِي سَرْمَدِيَّةِ ذاتِي.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
اعْمَلْ حُدُودِي حُبّاً لِي، ثُمَّ انْهِ نَفْسَكَ عَمّا تَهْوى طَلَباً لِرِضائِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
لا تَتْرُكْ أَوامِرِي حُبّاً لِجَمَالِي، وَلا تَنْسَ وَصايايَ ابْتِغاءً لِرِضائِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
ارْكُضْ فِي بَرِّ الْعَماءِ ثُمَّ أَسْرِعْ فِي مَيْدانِ السَّمآءِ. لَنْ تَجِدَ الرَّاحَةَ إِلاَّ بِالخُضُوعِ لأَِمْرِنا وَالتَّواضُعِ لِوَجْهِنا.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
عَظِّمْ أَمْرِي لأُِظْهِرَ عَلَيْكَ مِنْ أَسْرارِ العِظَمِ، وَأُشْرِقَ عَلَيْكَ بِأَنْوارِ الْقِدَمِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
كُنْ لِي خاضِعاً لأَِكُونَ لَكَ مُتَواضِعاً، وَكُنْ لأَِمْري ناصِراً لِتَكُونَ فِي المُلْكِ مَنْصُوراً.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
اذْكُرْنِي فِي أَرْضِي لأَِذْكُرَكَ فِي سَمائِي؛ لِتَقَرَّ بِهِ عَيْنُكَ وَتَقَرَّ بِهِ عَيْنِي.
يَا ابْنَ العَرْشِ
سَمْعُكَ سَمْعِي فَاسْمَعْ بِهِ، وَبَصَرُكَ بَصَرِي فَأَبْصِرْ بِهِ؛ لِتَشْهَدَ فِي سِرِّكَ لِي تَقْدِيساً عَلِيّاً، لأَِشْهَدَ لَكَ فِي نَفْسي مَقاماً رَفِيعاً.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
اسْتَشْهِدْ فِي سَبِيلي رَاضِياً عَنّي وَشاكِراً لِقَضائِي، لِتَسْتَريحَ مَعِي فِي قِبابِ العَظَمَةِ خَلْفَ سُرادِقِ الْعِزَّةِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
فَكِّرْ فِي أَمْرِكَ وَتَدَبَّرْ فِي فِعْلِكَ. أَتُحِبُّ أَنْ تَمُوتَ عَلَى الْفِراشِ أَوْ تُسْتَشْهَدَ فِي سَبِيلِي عَلَى التُّرابِ، وَتَكُونَ مَطْلِعَ أَمْرِي وَمَظْهَرَ نُوري فِي أَعْلَى الْفِرْدَوْسِ، فَأَنْصِفْ يا عَبْدُ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
وَجَمالِي تَخَضُّبُ شَعْرِكَ مِنْ دَمِكَ لَكانَ أَكْبَرَ عِنْدي عَنْ خَلْقِ الكَوْنَيْنِ وَضِياءِ الثَّقَلَيْنِ، فَاجْهَد فِيهِ يا عَبْدُ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
لِكُلِّ شَيْءٍ عَلامَةٌ؛ وَعَلامَةُ الْحُبِّ الصَّبْرُ فِي قَضَائِي وَالاصْطِبارُ فِي بَلائِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
الْمُحِبُّ الصَّادِقُ يَرْجُو الْبَلاءَ كَرَجاءِ الْعاصِي إِلَى الْمَغْفِرَةِ وَالمُذْنِبِ إِلَى الرَّحْمَةِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
إِنْ لا يُصيبُكَ البَلاءُ فِي سَبِيْلِي كَيْفَ تَسْلُكُ سُبُلَ الرَّاضِينَ فِي رِضائِي، وَإِنْ لا تَمَسُّكَ المَشَقَّةُ شَوْقاً لِلِقائِي كَيْفَ يُصِيبُكَ النُّورُ حُبّاً لِجَمالِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
بَلاَئِي عِنايَتي، ظاهِرُهُ نارٌ وَنِقْمَةٌ وَباطِنُهُ نُورٌ وَرَحْمَةٌ. فاسْتَبِقْ إِلَيْهِ لِتَكُونَ نُوراً أَزَلِيّاً وَرُوحاً قِدَمِيّاً، وَهُوَ أَمْري فَاعْرِفْهُ.
يَا ابْنَ البَشَرِ
إِنْ أَصَابَتْكَ نِعْمَةٌ لا تَفْرَحْ بِها، وَإِنْ تَمَسَّكَ ذِلَّةٌ لا تَحْزَنْ مِنْهَا، لأَنَّ كِلْتَيْهِما تَزُولانِ فِي حِين وَتَبِيدانِ فِي وَقْتٍ.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
إِنْ يَمَسَّكَ الفَقْرُ لا تَحْزَنْ، لأَِنَّ سُلْطانَ الغِنى يَنْزِلُ عَلَيْكَ فِي مَدَى الأَيَّامِ. وَمِنَ الذِّلَّةِ لا تَخَفْ، لأَِنَّ الْعِزَّةَ تُصِيبُكَ فِي مَدَى الزَّمانِ.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
إِنْ تُحِبَّ هذِهِ الدَّوْلَةَ الباقِيَةَ الأَبَدِيَّةَ وَهذِهِ الْحَياةَ الْقِدَمِيَّةَ الأَزَلِيَّةَ، فَاتْرُكْ هذِهِ الدَّوْلَةَ الْفانِيَةَ الزَّائِلَةَ.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
لا تَشْتَغِل بِالدُّنْيا؛ لأَِنَّ بِالنَّارِ نَمْتَحِنُ الذَّهَبَ، وَبِالذَّهَبِ نَمْتَحِنُ العِبادَ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
أَنْتَ تُريدُ الذَّهَبَ وَأَنا أُريدُ تَنْزيهَكَ عَنْهُ، وَأَنْتَ عَرَفْتَ غَنَاءَ نَفْسِكَ فِيهِ، وَأَنَا عَرَفْتُ الْغَناءَ فِي تَقْدِيسِكَ عَنْهُ. وَعَمْري هَذا عِلْمِي وَذلِكَ ظَنُّكَ؛ كَيْفَ يَجْتَمِعُ أَمْرِي مَعَ أَمْرِكَ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
أَنْفِقْ مالِي عَلى فُقَرائِي لِتُنْفِقَ فِي السَّمآءِ مِنْ كُنُوزِ عِزِّ لا تَفْنى وَخَزائِنِ مَجْدٍ لا تَبْلى؛ وَلكِنْ وَعَمْري إِنْفاقَ الرُّوحِ أَجْمَلُ لَوْ تُشاهِدْ بِعَيْني.
يَا ابْنَ البَشَرِ
هَيْكَلُ الْوُجُودِ عَرْشي، نَظِّفْهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ لاِسْتِوائِي بِهِ وَاسْتِقْرارِي عَلَيْهِ.
يَا ابْنَ الوُجُودِ
فُؤادُكَ مَنْزِلِي قَدِّسْهُ لِنُزُولِي، وَرُوحُكَ مَنْظَرِي طَهِّرْها لِظُهُوري.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِي لأَِرْفَعَ رَأْسي عَنْ جَيْبِكَ مُشْرِقاً مُضِيئاً.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
اصْعَدْ إِلى سَمائِي لِكَيْ تَرى وِصالِي؛ لِتَشْرَبَ مِنْ زُلالِ خَمْرٍ لا مِثالَ وَكُؤُبِ مَجْدٍ لا زَوالَ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
قَدْ مَضى عَلَيْكَ أَيَّامٌ، وَاشْتَغَلْتَ فِيها بِمَا تَهْوى بِهِ نَفْسُكَ مِنَ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ. إِلى مَتى تَكُونُ راقِداً عَلَى بِساطِكَ. ارْفَعْ رَأْسَكَ عَنِ النَّوْمِ؛ إِنَّ الشَّمْسَ ارْتَفَعَتْ فِي وَسَطِ الزَّوالِ، لَعَلَّ تُشْرِقُ عَلَيْكَ بِأَنْوارِ الْجَمالِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
أَشْرَقْتُ عَلَيْكَ النُّورَ مِنْ أُفُقِ الطُّورِ، وَنَفَخْتَ رُوحَ السَّناءِ في سِيناءِ قَلْبِكَ؛ فَأَفْرِغْ نَفْسَكَ عَنِ الحُجُباتِ وَالظُّنُوناتِ، ثُمَّ ادْخُلْ عَلَى البِساطِ لِتَكُونَ قابِلاً لِلْبَقاءِ وَلائِقاً لِلِّقاءِ، كَيْ لا يَأْخُذَكَ مَوْتٌ وَلا نَصْبٌ وَلا لَغُوبٌ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
أَزَلِيَّتي إِبْداعِي أَبْدَعْتُها لَكَ، فَاجْعَلْها رِداءً لِهَيْكَلِكَ. وَأَحَدِيَّتي إِحْداثي اخْتَرَعْتُها لأَِجْلِكَ، فَاجْعَلْها قَمِيصَ نَفْسِكَ لِتَكُونَ مَشْرِقَ قَيُّومِيَّتِي إِلى الأَبَدِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
عَظَمَتِي عَطِيَّتِي إِلَيْكَ، وَكِبْرِيائِي رَحْمَتِي عَلَيْكَ، وَما يَنْبَغِي لِنَفْسِي لا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ وَلَنْ تُحْصِيَهُ نَفْسٌ؛ قَدْ أَخْزَنْتُهُ فِي خَزائِنِ سِرِّي وَكَنائِزِ أَمْرِي تَلَطُّفاً لِعِبادِي وَتَرَحُّماً لِخَلْقِي.
يَا ابْناءَ الْهُوِيَّةِ فِي الْغَيْبِ
سَتُمْنَعُونَ عَنْ حُبِّي وَتَضْطَرِبُ النُّفُوسُ مِنْ ذِكْرِي؛ لأَِنَّ الْعُقُولَ لَنْ تَطيقَنِي وَالْقُلُوبَ لَنْ تَسَعَني.
يَا ابْنَ الْجَمالِ
وَرُوحِي وَعِنايَتِي ثُمَّ رَحْمَتِي وَجَمالِي، كُلُّ ما نَزَّلْتُ عَلَيْكَ مِنْ لِسانِ الْقُدْرَةِ وَكَتَبْتُهُ بِقَلَمِ القُوَّةِ قَدْ نَزَّلْناهُ عَلى قَدْرِكَ وَلَحْنِكَ لا عَلى شَأْنِي وَلَحْني.
يَا أَبْناءَ الإِنْسانِ
هَلْ عَرَفْتُمْ لِمَ خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ واحِدٍ؛ لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ عَلى أَحَدٍ. وَتَفَكَّرُوا فِي كُلِّ حِينٍ فِي خَلْقِ أَنْفُسِكُم؛ إِذاً يَنْبَغِي كَما خَلَقْناكُم مِنْ شَيْءٍ واحِدٍ أَنْ تَكُونُوا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، بِحَيْثُ تَمْشُونَ عَلى رِجْلٍ واحِدَةٍ، وَتَأْكُلُونَ مِنْ فَمٍ واحِدٍ، وَتَسْكُنُونَ فِي أَرْضٍ واحِدَةٍ؛ حَتَّى تَظْهَرَ مِنْ كَيْنُوناتِكُمْ وَأَعْمالِكُمْ وَأَفْعالِكُمْ آياتُ التَّوْحِيدِ وَجَواهِرُ التَّجْرِيدِ. هذا نُصْحِي عَلَيْكُم يا مَلأَ الأَنْوارِ، فَانْتَصِحُوا مِنْهُ لِتَجِدُوا ثَمَراتِ القُدْسِ مِنْ شَجَرِ عِزٍّ مَنيعٍ.
يَا أَبْناءَ الرُّوحِ
أَنْتُمْ خَزائِني، لأَِنَّ فِيكُم كَنَزْتُ لآلِئَ أَسْرارِي وَجَوَاهِرَ عِلْمِي، فَاحْفَظُوها لِئَلاَّ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا أَغْيارُ عِبادِي وَأَشْرارُ خَلْقِي.
يَا ابْنَ مَنْ قامَ بِذاتِهِ فِي مَلَكُوتِ نَفْسِهِ
اعْلَمْ بِأَنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ رَوائِحَ الْقُدْسِ كُلَّها، وَأَتْمَمْتُ الْقَوْلَ عَلَيْكَ وَأَكْمَلْتُ النِّعْمَةَ بِكَ وَرَضِيتُ لَكَ ما رَضِيتُ لِنَفْسِي، فَارْضَ عَنِّي ثُمَّ اشْكُرْ لِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِ
اكتُبْ كُلَّ ما أَلْقَيْنَاكَ مِنْ مِدادِ النُّورِ عَلَى لَوْحِ الرُّوحِ. وَإِنْ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى ذلِكَ فاجْعَلِ المِدادَ مِنْ جَوْهَرِ الفُؤادِ، وَإِنْ لَنْ تَسْتَطِيعَ فَاكْتُبْ مِنَ المِدَادِ الأَحْمَرِ الَّذِي سُفِكَ فِي سَبيلي؛ إِنَّهُ أَحْلَى عِنْدِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، لِيَثْبُتَ نُورُهُ إِلَى الأَبَدِ.
يا أيّها البلبل المعنويّ
في غير حديقة ورد المعاني لا تختر مقاماً، ويا هدهد سليمان العشق في غير سباء المحبوب لا تتّخذ وطناً، ويا عنقاء البقاء في غير قاف الوفاء لا تقبل مكاناً. هذا مكانك إن رففت إلى اللامكان بقوادم الرّوح وأردت أن تبلغ مقامك.
يا ابن الروح
مطلب كلّ طير الوكر، ومقصد كلّ بلبل جمال الورد، إلا طيور أفئدة العباد، قنعت بالتّراب الفاني فنأت عن الوكر الباقي وتوجّهت إلى طين البُعد فأضحت محرومةً من رياحين القُرب، فبما حيرة وبما حسرة وبما أسف، وبما أسى أن قد أعرضوا بملء الابريق من أمواج الرفيق الأعلى وظلّوا عن الأفق الأبهى في بُعدٍ مبين.
يا أيّها المحبوب
في روضة القلب غير ورد العشق لا تغرس، وعن بلبل الحبّ والشّوق لا ترخ قبضتك. عدّ مصاحبة الأبرار غنيمةً، وانفض يدك وجنانك من مرافقة الأشرار.
يا ابن الإنصاف
أيّ عاشق يتّخذ مقامه في غير وطن معشوقه، وأيّ طالب يستروح الرّاحة من دون مطلوبه، للعاشق الصادق في الوصال حياة، وفي الفراق ممات، خليت صدورهم من الصّبر، وتقدّست قلوبهم عن الاصطبار، عن مائة ألف حياةٍ يعرضون وإلى مقام المحبوب يهرعون.
يا ابن التّراب
الحقّ أقول: أشدّ العباد غفلةً من يجادل في القول، ويبتغي التفوّق على أخيه، قل يا أيّها الأخوة، بأعمالكم تزيّنوا لا بأقوالكم.
يا أبناء الأرض
اعلموا حقّ العلم أنّ قلباً بقيت فيه شائبةٌ من حسد لن يدخل جبروتي الباقي أبداً. ولن يشمّ عرف القدس من ملكوت تقديسي قطّ.
يا ابن الحبّ
بينك وبين رفرف القرب المنيع وشجرة العشق الرّفيع خطوة، فاخطها بقدمك الأولى واخط بالأخرى إلى عالم القدم، وادخل سرادق الخلد، ثم استمع حينئذ إلى ما قد نزل من قلم المجد.
يا ابن العزّ
أسرع في سبيل القدس، وتقدّم نحو أفلاك الألفة ونظّف قلبك بصيقل الروح، ويمّم شطر ساحة لولاك .
يا ظلّ الفناء
أعرض عن مدارج ظلّ الوهم، وأقبل إلى معارج عزّ اليقين، افتح عين الحقّ حتى ترى جمال المبين وتقول تبارك الله أحسن الخالقين.
يا ابن الهوى
أنصت حقّ الإنصات! إنّ العين الفانية لا تدرك الجمال الباقي، والقلب الميّت لا يمتعه إلا الورد الذّابل (لأن كلّ قرين يلتمس قرينه ويأتلف مع جنسه).
يا ابن التّراب
كن أعمى تَرَ جمالي، وكن أصمّ تسمع لحني وصوتي المليح، وكن جاهلاً يكن لك من علمي نصيب، وكن فقيراً تغترف من بحر غنائي الخالد قدراً لا زوال له، أي كن أعمى عن مشاهدة غير جمالي وكن أصمّ عن استماع كلام غيري، وكن جاهلاً بسوى علمي حتى تدخل ساحة قدسي بعينٍ طاهرةٍ وقلبٍ طيِّبٍ وأذنٍ نظيفةٍ.
يا ذا العينين
أغمض عيناً وافتح عيناً، أغمض عيناً عن العالم والعالمين، وافتح الأخرى على جمال قدس المحبوب.
يا أبنائي
أخشى أن ترجعوا إلى ديار الفناء وأنتم لما تنعموا بنغمة الورقاء أو تعودوا إلى الماء والتّراب وأنتم لما تروا جمال الورد.
يا أيّها الأحباء
لا تنصرفوا عن الجمال الباقي إلى الجمال الفاني ولا تتعلّقوا بالعالم التّرابي.
يا ابن الروح
يأتي وقت يمنع فيه بلبل القدس المعنوي عن بيان أسرار المعاني ويُحرم الكلّ من النغمة الرّحمانيّة والنّداء السّبحاني.
يا جوهر الغفلة
واأسفاه! مائة ألف لسان معنوي ينطق في لسان، ومائة ألف معنىً غيبيّ يظهر في لحن ولكن لا أذن فتسمع ولا قلب فيدرك.
يا أيّها الرّفاق
فُتحت أبواب اللامكان، وتزيّنت ديار المحبوب بدماء العاشقين وحُرم النّاس من هذه المدينة الرّحمانية إلا قليلاً منهم، وحتّى من هذا القليل لم نجد ذا القلب الطّاهر والنّفس المقدّسة إلا أقلّ القليل.
يا أهل الفردوس الأعلى
خبّروا أهل اليقين أنّ روضة جديدة قد ظهرت في فضاء القدس قرب جنة الرّضوان يطوف حولها جميع الملإ الأعلى وهياكل الخلد الأعلون إذاً فابذلوا الجهد أن تبلغوا هذا المقام وتقعوا على أسرار العشق من شقائقه، وتفوزوا بالحكم الأحدية البالغة جميعاً، من أثماره الباقية (قُرّت أبصار الذين هم دخلوا فيه آمنين).
يا أحبائي
أنسيتم ذلك الصّبح الصّادق المنير الذي اجتمعتم فيه جميعاً بين يديّ في ذلك الفضاء المقدّس المبارك في ظلّ شجرة أنيسا التي غُرست في الفردوس الأعظم وقلت لكم ثلاث كلماتٍ طيّبات، فاستمعتم جميعاً لتلك الكلمات واندهشتم وكانت تلك الكلمات هي: يا أيّها الأحبّاء لا تختاروا رضاكم على رضاي ولا تريدوا ما لا أريده لكم أبداً ولا تأتوني بقلوب ميّتة تلوّثت بالأماني والآمال، فلو قدّستم صدوركم لتذكّرتم الآن تلك الصحراء وذلك الفضاء ولاتّضح بياني لكم جميعاً.
في السّطر الثّامن من أسطر القدس في اللّوح الخامس من ألواح الفردوس قال:
يا أموات فراش الغفلة
مرّت القرون وبلغتم بأعماركم الغالية نهاياتها وما تصاعد منكم إلى ساحة قدسنا نَفَسٌ طاهر. غارقون في أبحر الشّرك وتردّدون بأفواهكم كلمة التّوحيد، عددتم مبغوضي محبوبكم واتّخذتم عدوّي صديقاً لكم، تمشي في أرضي بكمال الفرح والسّرور ولا تعلم بأنّ أرضي سئمتك وأن أشياء الأرض تولي منك الأدبار، ولو أنّك فتحت البصر لعملت أنّ مائة ألف حزنٍ خيرٌ لك من هذا السّرور، وعددت الفناء أطيب لك من هذه الحياة.
يا أيّها التّراب المتحرّك
آنس بك وتيأس منّي، بتر سيف عصيانك شجرة أملك، أنا منك قريب في كلّ حال، وأنت عنّي بعيد في جميع الأحوال، أختار لك عزّةً لا زوال لها وترتضي لنفسك ذلّة لا انتهاء لها. فارجع إليّ ما دام الوقت ولا تضيع الفرصة.
يا ابن الهوى
سعى أهل العلم والبصيرة أعواماً فلم يفوزوا بوصال ذي الجلال وركضوا أعماراً فلم يبلغوا لقاء ذي الجمال وأنت الذي لم تركض قد بلغت المنزل وأنت الذي لم تطلب قد فزت بالمطلب، وبعد أن فزت بهذا المقام وتلك الرُّتبة جميعاً ظللت محتجباً بحجاب نفسك بحيث لم تَرَ جمال المحبوب عينك ولم تتشبّث بأذيالِ الحبيب يدك (فتعجّبوا من ذلك يا أولي الأبصار).
يا أهل ديار العشق
أحاطت الرّيح الفاني بالشّمع الباقي، واستتر جمال الغلام الرّوحانيّ في الغبار الأغبر الظّلمانيّ، ظلم سلطان سلاطين العشق على أيدي رعايا الظّلم ووقعت الحمامة القدسيّة بين براثن البوم، ينوح جميع أهل السّرادق الأبهى والملأ الأعلى ويندبون، على حين أقمتم في أرض الغفلة بكمال الرّاحة وحسبتم أنفسكم من الأحباء الخُلّص (فباطلٌ ما أنتم تظنّون).
يا أيّها الجهلاء المعروفون بالعلم
لماذا تدّعون في الظاهر بأنّكم الرّعاة ثم غدوتم في الباطن ذئاب أغنامي، إنما مثلكم كمثل نجم ما قبل الصّبح، فهو درّيٌّ منيرٌ في الظّاهر، إلا أنّه في الباطن سبب إضلال قوافل مدينتي ودياري وهلاكها.
يا من تزيّن ظاهرهم وخبث باطنهم
إنّما مثلكم كمثل ماءٍ مريرٍ صافٍ، يرى فيه الرّائي كمال اللّطف والصّفاء في الظّاهر، فإذا اختبره مذاق الأحدية لم يقبل منه قطرةً واحدةً، أجل إنّ تجلّي الشمس في التّراب والمرآة سواء، ولكن اعلم أنَّ الفرق بينهما كالفرق بين الأرض والفرقدين بل الفرق بينهما ليس له انتهاء.
يا حبيبي بالقول
تأمّل قليلاً: أسمعت قطّ أنّ الحبيب والغريب يجتمعان في قلبٍ واحدٍ؟ إذاً فاطرد الغريب حتّى يدخل الحبيب منزله.
يا ابن التّراب
لك قدّرت جميع ما في السّموات والأرض! إلا القلوب فقد جعلتها منزلاً لتجلّي جمالي وإجلالي، وأنت قد تركت منزلي لغيري. فما أراد ظهور قدسي في كلّ زمان أن يقصد مكانه إلا وجد فيه غيره ورأى فيه غريباً، فأسرع إلى حرم المحبوب في اللامكان، ومع ذلك سترتُ أمرك ولم أفضح سرّك ولم أرتضِ أن أُخجلك.
يا جوهر الهوى
كم من أسحار أقبلت فيها من مشرق اللامكان إلى مكانك ووجدتك على فراش الراحة منصرفاً إلى غيري. فرجعت كالبرق الرّوحانيّ إلى غمام العزّ السّلطانيّ وفي مكامن قربي عند جنود القدس لم أُظهر أمرك.
يا ابن الجود
في بوادي العدم كنت. أظهرتك في عالم الملك بقوّة تراب الأمر ووكّلت جميع ذرات الممكنات وحقائق الكائنات بتربيتك. كما قدّرت لك قبل خروجك من بطن أمّك ينبوعين من حليبٍ منيرٍ. وكّلت العيون بحفظك وألقيت حبّك في القلوب، وبمحض الجود نشأتك في ظلّ رحمتي، وبخالص الفضل والرحمة حفظتك وكانت الغاية من كلّ هذه المراتب أن تدخل جبروتنا الباقي وتصلح لآلائنا الغيبية، وأنت يا أيها الغافل حين أثمرت أبديت الغفلة عن نعمائي جميعاً وأسلمت نفسك إلى ظنونك الباطلة حتى لقد نسيت كلّ شيءٍ نسياناً وانصرفت عن باب المحبوب إلى إيوان العدو واتّخذت منه مقرّاً تأوي إليه.
يا عبد الدّنيا
في الأسحار مرّ بك نسيم عنايتي ووجدك على فراش الغفلة نائماً فبكى حالك وعاد. يا ابن الأرض إن أردتني فلا تُرد سواي وإن ابتغيت جمالي فاغمض عينك عن العالمين لأن ابتغائي وابتغاء غيري كالماء والنّار لا يجتمعان في مهجةٍ واحدةٍ ولا في قلبٍ واحدٍ.
يا ابن الأرض
إن أردتني فلا تُرد سواي وإن ابتغيت جمالي فاغمض عينك عن العالمين لأن ابتغائي وابتغاء غيري كالماء والنّار لا يجتمعان في مهجةٍ واحدةٍ ولا في قلبٍ واحدٍ.
يا غريباً عن المحبوب
شمع قلبك أشعلته يد قدرتي فلا تطفئه بأرياح نفسك وهواك، وطبيب كلّ عللك ذكري فلا تنسه. اجعل حبّي رأس مالك، واحرص عليه حرصك على بصرك وروحك.
يا أخي
من لساني السّكّريّ إستمع إلى كلماتي الدّرّيّة ومن شفتيّ المليحتين ارتشف سلسبيل القدس المعنويّ فانثر بذور حكمتي اللّدنيّة في أرض القلب الطّاهرة واسقها بماء اليقين حتّى تنبت سنبلات علمي وحكمتي يانعةً من البلدة الطيّبة.
يا أهل رضواني
غرست نبتة محبّتكم وصداقتكم بيد اللّطف في روضة قدس الرّضوان وسقيتها بأمطار الرحمة وهي الآن تقارب إثمارها، فابذلوا الجهد أن تظلّ محفوظة وألا تحترق بنار الأمل والشّهوة.
يا غريباً عن المحبوب
شمع قلبك أشعلته يد قدرتي فلا تطفئه بأرياح نفسك وهواك، وطبيب كلّ عللك ذكري فلا تنسه. اجعل حبّي رأس مالك، واحرص عليه حرصك على بصرك وروحك.
يا ابن التّراب
حكماء العباد هم الذين لا ينبسون ببنت شفة إلا إذا وجدوا سميعاً مثلهم كمثل الساقي لا يقدِّم الكأس إلا إذا وجد له طالباً، والعاشق لا يصيح من أعماق قلبه إلا إذا فاز بجمال المعشوق. إذاً فانثر حبّات الحكمة والعلم في أرض القلب الطيّبة واسترها حتّى تنبت سنبلات الحكمة الإلهية من القلب لا من الطّين.
ذُكر في السّطر الأول من اللوح المذكور وسُطر وفي سرادق حفظ الله سُتر.
يا عبدي
لا تُضيع بانزالةٍ ملكاً ليس له زوال ولا تفقد بالشّهوة سلطنة الفردوس. هذا كوثر الحيوان الذي جرى من معين قلم الرّحمن (طوبى للشّاربين).
يا ابن الرّوح
حطّم القفص وطر كعنقاء العشق في فضاء القدس. عن نفسك فأعرض وإلى النّفس الرّحمانيّة في أجواء القدس الرّبانيّة فاسكن.
يا ابن الرّماد
براحة اليوم لا تقنع، وعن راحةٍ باقيةٍ لا زوال لها لا تنصرف ولا تستبدل الغمامة الفانية بجنّة الخلد والعيش الباقي. اعرج من السّجن إلى براري الروح الجميلة وتهادى من قفص المكان إلى رضوان "اللامكان" البهيج الجذّاب.
يا ابن أمتي
لو رأيت السّلطنة الباقية لأعرضت بكمال الجِدِّ عن الملك الفاني إعراضاً، ولكنّ في ستر تلك السلطنة الباقية، وفي بروز هذا المُلك الفاني رموزاً لا تدركها إلا الأفئدة الطّاهرة.
يا عبدي
طهّر قلبك من الغلّ، ثم تهادى على بساط القدس الأحد بلا حسد.
يا أحبائي
سيروا في سبيل رضاء المحبوب وفي رضا الخلق كان رضاؤه ويكون فلا يدخلنَّ صديق بيت صديقه بلا رضاه، ولا يتصرَّفنَّ في أمواله ولا يُرجّحنَّ رضاءه على رضائه، ولا يعدَّنَّ نفسه مقدَّماً عليه في أمرٍ من الأمور (فتفكّروا في ذلك يا أولي الأفكار).
يا رفيق عرشي
لا تسمعً سوءاً ولا ترَ سوءاً ولا تُذلل نفسك ولا تُعول: لا تقل سوءاً فتسمعه ولا تعظم عيب النّاس لكيلا يعظم عيبك ولا ترتضِ ذلّة أحد لكيلا تتجلّى ذلّتك، إذاً فافرغ بسريرةٍ نقيّة وقلبٍ طاهرٍ وصدر مقدّس وخاطرٍ منزَّه في أيّام عمرك –التي تعدّ أقلّ من برهةٍ- حتّى تعود فارغ البال من هذا الجسد الفاني وتستقرّ في الملكوت الباقي.
واحسرتاه يا عشّاق الهوى النّفساني
عن المعشوق الرّوحانيّ أعرضتم كالبرق الخاطف وبالخيال الشّيطانيّ تعلّقتم، للخيال سجدتم وعليه أطلقتم اسم الحقِّ، وإلى الشّوك نظرتم ودعوتموه بالورد، فلا أنتم بنفسٍ خالصٍ تنفّستم، ولا من رياض قلوبكم هبَّ نسيم الانقطاع، ذررتم في الرّياح نصائح المحبوب المشفقة ومحوتموها من صفحة القلب وانطلقتم في مراعي الشّهوة والأمل كسائمة الأنعام تأكلون.
يا رفاق السّبيل
لماذا غفلتم عن ذكر المعشوق، وبعدتم عن جوار المحبوب، لقد استوى صرف الجمال في سرادق اللامثال على عرش الجلال وأنتم بهوى أنفسكم شُغلتم بالجدال، تهيج روائح القدس وتهبّ نسائم الجود، فابتليتم جميعاً بالزّكام وظللتم من كلّ شيء محرومين. فيا حسرةً عليكم وعلى الذين هم يمشون على أعقابكم وعلى أثر أقدامكم هم يمرّون.
يا أبناء الآمال
انزعوا لباس الغرور عن أجسامكم واخلعوا ثوب التكبّر عن أبدانكم. في السّطر الثالث من أسطر القدس التي أثبتها القلم الخفيّ في اللوح الياقوتي
يا أيّها الإخوان
فليدارِ بعضكم بعضاً، ولتفرغ قلوبكم من الدّنيا ولا تفتخروا بالعزّة، ومن الذّلّة لا تخجلوا فوجمالي لقد خلقتكم من التراب جميعاً وإلى التراب أعيدكم جميعاً.
يا أبناء التّراب
خبّروا الأغنياء بأنين الفقراء في الأسحار لئلا يهلكوا من غفلتهم ويحرموا من سدرة الإقبال (الكرم والجود من خصالي فهينئاً لمن تزيّن بخصالي).
يا جوهر الهوى
انبذ الطّمع وخذ بالقناعة لأن الطامع لا زال محروماً والقانع لا زال مقبولاً.
يا ابن أمتي
في الفقر لا يجملُ بك الاضطراب، وفي الغنى لا ينبغي لك الاطمئنان، فإنّ لكلِّ فقرٍ غنىً يعقبه وإنَّ بعد كلِّ غنىً زوالاً يليه أمّا الفقر عمّا سوى الله فنعمة عظيمة لا تحقرها: لأن في نهايتها يبدو الغنى بالله، وفي هذا المقام يستتر قوله أنتم الفقراء وتبرز كلمته المباركة والله هو الغني وتتجلّى من أفق قلب العاشق كتجلّي الصّبح الصّادق وتظهر وتبرز وتستوي على عرش الغنى وتستقرّ.
يا أبناء الغفلة والهوى
أدخلتم عدوّي في بيتي، وأقصيتم عنكم محبوبي كما أنزلتم في قلوبكم حبّ غيري. اسمعوا بيان المحبوب وإلى رضوانه أقبلوا: ما زال أصدقاء الظاهر يحبّون بعضهم بعضاً من أجل مصالحهم الشّخصية إلا أنّ الصّديق الحقّ أحبّكم ويحبّكم من أجل أنفسكم لا بل إنّه قَبِلَ بلايا لا تُحصى في سبيل هدايتكم فلا تجفوا مثل هذا الصّديق وسارعوا إلى مقامه. هذه شمس كلمة الصّدق والوفاء التي أشرقت من أفق اصبع مالك الأسماء (افتحوا آذانكم لإصغاء كلمة الله المهيمن القيّوم).
أيّها المغرورون بالأموال الفانية
اعلموا أن الغنى سدٌّ مُحكمٌ بين الطّالب والمطلوب والعاشق والمعشوق، هيهات أن يرد مقرّ القرب من الأغنياء أو يدخل مدينة الرّضا والتّسليم منهم إلا القليل، نعمت حال غنيّ لا يمنعه غناه عن الملكوت الخالد، ولا يحرمه من الدولة الأبديّة، قسماً بالاسم الأعظم إنّ نور ذلك الغنيّ ليفيض على أهل السماء كما يفيض نور الشّمس على أهل الأرض.
يا أغنياء الأرض
الفقراء أمانتي بينكم، إذاً فاحفظوا أمانتي كما ينبغي ولا تنصرفوا تماماً إلى راحة أنفسكم.
يا سليل الهوى
تطهّر من دنس الغنى، وضع قدمك في أفلاك الفقر بكمال الارتياح حتى تشرب خمر البقاء من عين الفناء.
يا بني
صحبة الأشرار تزيد الغمَّ، ومصاحبة الأبرار تجلو صدأ القلب (من أراد أن يأنس مع الله فليأنس مع أحبائه ومن أراد أن يسمع كلمات الله فليسمع كلمات أصفيائه).
حذار يا ابن التّراب
لا تألف الأشرار ولا تأنس إليهم فإن مجالسة الأشرار تبدّل نور الروح بنار الحسبان.
يا ابن أمتي
إن طلبت فيض روح القدس فصاحب الأحرار لأن الأحرار شربوا الكأس الباقية من كفِّ ساقي الخلد وأحيوا قلوب الأموات وأضاءوها وأناروها كالصّبح الصّادق.
يا أيّها الغافلون
لا تحسبوا أنّ أسرار القلوب مستورة بل اعلموا علم اليقين أنّها سطرت بالخطِّ الجليِّ وأنّها ظاهرة في ساحة حضرته.
يا أحبّائي
أقول لكم الحق إن كلّ ما سترتم في قلوبكم واضح لدينا وضوح النّهار وظاهر مكشوف، إلا أن سِترنا إيّاه كان فضلاً مِنّا وجوداً، لا استحقاقاً منكم.
يا ابن الإنسان
بذلت من أعماق محيط رحمتي على العالمين طلا ولم أجد من يقبل لأن النّاس جميعاً أعرضوا عن خمر التّوحيد الباقي اللطيف إلى ماء النّبيذ الكثيف وقنعوا بالكأس الفانية عن كأس الجمال الباقي (فبئس ما هم به يقنعون).
يا ابن التّراب
لا تعدُ عيناك عن خمر المحبوب الباقي التي لا مثيل لها، ولا تفتحهما على الخمرة الكدرة الفانية، تناول الكؤوس الباقية من يد ساقي الأحديّة لتصبح عقلاً خالصاً وتستمع إلى ملك الغيب المعنوي. (قل) يا أيّها الأدنياء لماذا رجعتم عن شراب قدسي الباقي إلى الماء الفاني.
قل يا أهل الأرض
اعلموا علم اليقين أنّ من ورائكم بلاءً مباغتاً وأن في أعقابكم عقاباً عظيماً يتعقّبكم فلا تحسبوا أن ما قد ارتكبتموه قد مُحيَ من أمام عينيّ. قسماً بجمالي إنّ جميع أعمالكم قد أثبتها القلم الجليّ في الألواح الزبرجديّة.
يا ظلمة الأرض
كفّوا أيديكم عن الظّلم لأني قد أقسمت ألا أتجاوز عن ظلم أحد، وهذا عهد حتمته في اللوح المحفوظ وختمته بخاتم العزّة.
يا أيّها العصاة
جرَّأكم اصطباري، وأوردكم صبري موارد الغفلة فأنتم في السّبل المهلكة الخطيرة على دواب النّفس النّاريّة المتهوّرة تسلكون، فكأنّما أنتم رأيتموني غافلاً عنكم أو حسبتموني جاهلاً بكم!
أيّها المهاجرون
جُعل اللسان لذكري فلا تدنّسوه بالغيبة فإن غلبت عليكم النّفس النّاريّة فاشتغلوا بذكر عيوب أنفسكم لا باغتياب خلقي لأن كلّ منكم لنفسه أبصر وأعرف منه بنفوس عبادي.
يا أبناء الوهم
اعلموا أنّه حين تنفّس الصّبح النّورانيّ من أفق القدس الصّمدانيّ ظهر السِّرّ والعمل الشّيطانيّ الذي اقترف في الليل الظّلمانيّ، وتجلّى على العالمين.
يا عشب التّراب
إن كنتم لا تتناولون أثوابكم بأيدٍ ملوّثة بالسّكر فكيف تلتمسون معاشرتي بقلوب دنّستها الشّهوة والهوى وتبتغون إلى ممالك قدسي سبيلاً (هيهات هيهات عمّا أنتم تريدون).
يا أبناء آدم
تصعد الكلمة الطّيبة والأعمال الطّاهرة المقدّسة إلى سماء العزّة الأحديّة فابذلوا الجهد أن تتطهّر أعمالكم من غبار الرّياء وكدورة النّفس والهوى فتدخل ساحة العزّة مقبولة لأنه عمّا قريب لن يرتضي صيارفة الوجود بين يدي المعبود إلا التّقوى الخالصة، ولن يقبلوا إلا العمل الطاهر. هذه هي شمس الحكمة والمعاني التي أشرقت من أفق فم المشيئة الرّبّانيّ (طوبى للمقبلين).
يا ابن الحياة
ساحة الوجود ساحة جميلة لو أقبلت، وبساط البقاء بساط طيّب لو تهاديت عليه معرضاً عن المُلك الفاني، ونشاط السّكْر نشاطٌ مليح لو ارتشفت كأس المعاني من يد الغلام الإلهي. فإن فزت بهذه المراتب فقد فرغت من العدم والفناء والمحنة والخطأ.
يا أحبّائي
اذكروا العهد الذي عاهدتموني عليه في جبل فاران الواقع في بقعة الزّمان المباركة والذي أشهدتُ عليه الملأ الأعلى وأصحاب مدينة البقاء. فإنّي الآن لا أرى من أحدٍ أقام عليه وما أشكّ في أنّ الغرور والعصيان قد محواه من القلوب محواً لم يبقِ له على أثرٍ، علمتُ بذلك وصبرتُ عليه ولم أظهر أمره.
يا عبدي
إنّما مثلك كمثل السّيف المرصّع بالجوهر أغمد في قرابٍ كدرٍ فظلّ قدره عن الجوهريّين مستوراً. إذاً فاخرج من غلاف نفسك وهواك حتى يبدو جوهرك للعالمين ويتجلّى.
يا حبيبي
أنت شمس سماء قدسي فلا تُلطّخ نفسك بكسوف الدّنيا، اخرق حجاب الغفلة حتى تدّلف من خلف السّحاب بلا سترٍ ولا حجاب، وتخلع على جميع الموجودات خلعة الوجود.
يا أبناء الغرور
أتنصرفون أيّاماً إلى السّلطنة الفانية عن جبروتي الباقي وتزيّنون أنفسكم بالأصفر والأحمر ثمّ به تفتخرون؟ فوجمالي لأدخلنّكم جميعاً في خيمة التّراب الموحّدة اللون، ولأُزيلنَّ هذه الألوان المختلفة إلا عن أولئك الذين يأتون بلوني، ولوني هو التّقديس عن كل الألوان.
يا أبناء الغفلة
لا تتعلّقوا بالسّلطنة الفانية ولا تفرحوا بها فما مثلكم إلا كمثل طير غافل وقع بكمال الاطمئنان على فنن بستان فباغته صيّاد الأجل فأرداه فلم يبقَ لنغمته ولا لهيكله ولا للونه من أثر. إذاً فاتّعظوا يا عبيد الهوى.
يا ابن أمتي
من قبل كانت الهداية بالأقوال، أما اليوم فإنّها بالأفعال فلتصدر الأفعال قدسيّة من هيكل الإنسان ذلك لأنّ النّاس في الأقوال شركاء. أمّا أحبّاؤنا فقد انفردوا بالأفعال الطّاهرة المقدّسة، إذاً فاسعوا ما وسعكم في أن تمتازوا عن جميع النّاس بأفعالكم (كذلك نصحناكم في لوح قدسٍ منير).
يا ابن الإنصاف
في الليل عاد جمال هيكل البقاء من عقبة الوفاء الزّمرّديّة إلى سدرة المنتهى. وبكى بكاءً بكى لأنينه الكرّوبيّون وجميع الملأ العالين. ثم سُئل عن سبب نواحه وندبه، فذكر أن قد انتظرتُ على عقبة الوفاء كما أمرتُ ولم أتنسّم من أهل الأرض رائحة وفاء فعدتُ أدراجي، ولاحظت أنّ الحمامات القدسيّة وقعت بين براثن كلاب الأرض، عندئذ أسرعت الحورية الإلهية من القصر الرّوحانيّ بلا سترٍ ولا حجابٍ وسألتْ عن أسمائها، فذُكرت جميع الأسماء إلا اسماً واحداً، فلمّا اشتدّ الإصرار جرى على لساني الحرف الأول من ذلك الاسم فأهرع أهل الغرفات من مكامن عزّهم فما قيل الحرف الثّاني حتّى خرّوا على التّراب جميعاً. عند ذاك صدر النّداء من مكمن القرب، لا يجوز أن يُذكر أكثر من هذا (إنّا كنّا شهداء على ما فعلوا وحينئذٍ كانوا يفعلون).
يا ابن أمتي
من اللّسان الرّحمانيّ اشربْ سلسبيل المعاني ومن مشرق البيان الصّمدانيّ اشهدْ إشراق شمس التبيان من غير سترٍ ولا كتمان وانثر بذور حكمتي اللدنيّة في أرض القلب الطّاهرة واسقها بماء اليقين حتى تنبت سنبلات علمي يافعةً من البلدة الطّيبة.
يا ابن الهوى
إلى متى تطير في الهواء النّفساني! وهبتُ لك جناحاً لتطير به في هواء قدس المعاني لا في فضاء الوهم الشّيطانيّ، أنعمتُ عليك بالمشط لترجل به غدائري المسكيّة لا لتخدش به جيدي.
يا عبادي
أنتم أشجار رضواني. فلتتحلّوا بالأثمار البديعة المنيعة حتى تنتفعوا وينتفع غيركم. لهذا وجب عليكم جميعاً أن تشتغلوا بالصّنائع والكسب. هذه هي أسباب الغنى (يا أولي الألباب وإنّ الأمور معلّقة بأسبابها وفضل الله يُغنيكم بها) أما الأشجار غير ذات الأثمار فإنها كانت وما زالت خليقة بالنّار.
يا عبدي
شرّ النّاس من يظهرون في الأرض بلا ثمر إنّهم في عداد الأموات محسوبون، بل إنّ الأموات أرجح عند الله من تلك النّفوس المعطّلة المهملة.
يا عبدي
خير النّاس الذين يحصلون على أرزاقهم بالعمل، ويُنفقون منه على أنفسهم وعلى ذوي قُرباهم (حُبّاً لله ربِّ العالمين).
إن عروس المعاني البديعة التي كانت وراء أستار البيان مخبوءة مستورة ظهرت بالعناية الإلهية وتجلّت بالألطاف الرّبانيّة كشعاع جمال المحبوب المنير.
إنّي أشهد يا أيّها الأحباء أنَّ النِّعمة قد تمّت والحجّة قد كملت، والبرهان قد ظهر، والدليل قد قام. فلننظر الآن ماذا تبديه همّتكم من مراتب الانقطاع، كذلك تمّت النّعمة عليكم وعلى من في السموات والأرضين، والحمد لله ربّ العالمين.